إن المطلع على سلوك الناس في الغرب الأوروبي أو الأمريكي، أو من عاش أو يعيش فيما بينهم، يراهم ينشئون جمعيات للرفق بالحيوان، ومنظمات لحقوق الحيوان، وما شابهها، في حين أنهم يصعقون الحيوان بالكهرباء لقتله، أو يطلقون النار عليه، أو يضربونه بآلات حديدية على رأسه، بل والبعض يقوم بسلخ جلود الحيوانات وهى حية..!! هذا، إضافة إلى أن التاريخ يروي حكايات مضحكة وتصرفات ساخرة للشعوب الغربية، ومن الأمثلة لذلك ما تعرّض له الحيوان والحشرات من أحكام قضائية ونفي وتشريد، فلقد مثلت الديدان البيضاء (وهى من آفات التربة الخطيرة) في عام 1449م أمام المحكمة الكنسية في لوزان (بسويسرا) وحُكم عليها بالنفي... ولم تنته محاكمات الحرمان والنفي ضد الحشرات والحيوانات والطيور التي كانت تجريها السلطات الدينية في أوروبا إلاّ في بداية القرن الثامن عشر الميلادي..!! وبالرغم من كل هذا يتهمون الإسلام بالقسوة على الحيوان، ويتهمون المسلمين بالتجرد من الرحمة حين يذبحون الحيوان بغرض الطعام، أو لأضحية، أو لعقيقة، أو لغيرها من الأغراض المشروعة...
وعلى النقيض من هذا، نرى بعض أهل الشرق من الهندوس وغيرهم يعلون من قدر الحيوان حتى أنهم يعبدون أصنافا كالبقر... إلاّ أن الإسلام، وهو دين الوسطية في كل منحى من مناحي الحياة، كانت شريعته – ولا تزال – معتدلة، فيها الرفق والرحمة والحقوق للحيوان، وفيها أيضا حسن الاستفادة منه والإفادة به.
وهناك العديد من أوجه الرحمة في العناية بالحيوان في الشريعة الإسلامية، ولعلّ القرآن الكريم حين يصف أصنافا من الحيوان بالنعم والأنعام فإنه يكرّم هذه المخلوقات، كما تسمّت سور عديدة بأسماء عدد من الحيوانات، كسور البقرة والأنعام والنحل والنمل... إلخ. كما ذكر العديد من الحيوانات والطيور وربطها القرآن بالإنسان عامة، وبالكثير من الأنبياء والصالحين خاصة، واستعملها القرآن الكريم كمضرب للأمثال، مثل: ناقة صالح، حوت يونس، غنم داود، هدهد ونمل سليمان، وطير إبراهيم... كما ضُرب بالحمار مع الرجل الصالح دليلا على "البعث"، وضُرب المثل بالكلب في مواقف، وبالذباب في مواقف، وبالطير في مواقف...إلخ
وأوضح القرآن الكريم في العديد من آياته مكانة الحيوان، وحدد موقعه لخدمة الإنسان، فبعد أن بيّن الله تعالى في سورة النحل قدرته في خلق السماوات والأرض، وقدرته في خلق الإنسان، أردف قائلا: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{8}) [سورة النحل]. ويقول في نفس السورة أيضا: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ{80})...
ووردت آيات قرآنية تدعو إلى وجوب الاهتمام بالحيوانات ورعايتها، فهى مخلوقات عجماء لا يمكنها أن تطلب أكلا أو تنادي على سقيا، ومن هذه الآيات قول الله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى{53} كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى{54}) [سورة طه]، وقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ{27} [سورة السجدة]، وقوله تعالى: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا{31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا{32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ{33}) [سورة النازعات]...
ونهى الإسلام حتى عن سبّ الحيوان والطير، مجرّد سبّه باللفظ، فقد روى أبو داود وابن حبان عن زيد بن خالد الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة). وعند ابن حبان في صحيحه: (.. فإنه يدعو للصلاة)... كما أن هناك العديد من الأحاديث النبوية التي تكرّم بعض الحيوانات، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة). ووقع في رواية ابن إدريس عن حصين في هذا الحديث من الزيادة قوله صلى الله عليه وسلم: ( والإبل عزّ لأهلها، والغنم بركة)...
وعندما حرّمت الشريعة الإسلامية أكل لحوم المنخنقة والموقوذة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع إن لم يدركه الإنسان بالتذكية (أي الذبح)، كان من أهم أهداف هذا التحريم وجوب المحافظة على الأنعام ورعايتها حتى لا تتعرّض لمخاطر تؤدي إلى موتها دون الانتفاع بها...
هذا الدين الحنيف هو الذي ضرب للعالمين المثل الأعلى في الرحمة والرفق بالحيوان، حتى جعل القسوة عليه بابا لدخول النار، فحرّم إرهاقه بالأثقال والأعمال الشاقة، وحرّم التلهي بقتل الحيوان، كالصيد للتسلية لا للمنفعة، ونهى عن كي الحيوانات بالنار في وجوهها للوسم (للإشارة والترقيم مثلا)، أو تحريش بعضها على البعض بقصد اللهو أو التربّح المالي، وأنكر العبث بأعشاش الطيور وإحراق قرى النمل.... إلخ... وهذا الرسول الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم هو أول من دعى إلى الشفقة بالحيوان، والرفق به، ومساعدته في مطعمه ومشربه، وفي صحته ومرضه، بل وأثناء ذبحه... وهذه الشريعة الغرّاء هى التي قننت للحيوان حقوقا، لم تعرفها غيرها من الشرائع، ولم يصل إلى بعضها البشر، على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم، الشريعة التي كانت أساسا في بناء حضارة عالمية لمع نجمها طوال ألف عام – تقريبا – في أنحاء العالم، وتعلم منها القاصي والداني الفضائل والقيم والحقوق والواجبات والعلم والتكنولوجيا...
وفي كتابه "السنّة مصدرا للمعرفة والحضارة" يوضّح العلامة الدكتور يوسف عبدالله القرضاوي كيف دفع الإسلام نحو المحافظة على الأجناس الحية للمخلوقات من الانقراض، ويقول:.. ونجد ذلك صريحا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها الأسود البهيم)، أي شرارها والتي تعضّ الناس... فهذا الحديث النبوي الشريف يشير إلى حقيقة كونية قررها القرآن الكريم، وهى أن الكائنات الحية الأخرى – غير العاقلة – لها كينونتها الاجتماعية الخاصة، التي تميّزها عن غيرها، وتربط بعضها بالبعض، وبتعبير القرآن الكريم كل منها أمة مثلنا، يقول الله تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ{38}) [سورة الأنعام ]... ويشير الدكتور القرضاوي إلى أن المثلية التي ذكرها القرآن الكريم لا تقتضي المشابهة في كل شئ، فالمشابه لا يقتضي أن يكون كالمشبه به في جميع الوجوه، بل في وجه معين يقتضيه المقام، وهو هنا (الأممية) فكل منها أمة لها كيانها واحترامها، وحكمة الله تعالى في خلقها وتمييزها عما سواها من الأجناس والأمم الأخرى... فأمة النمل غير أمة النحل، غير أمة العنكبوت، وأمة الكلاب غير أمة القطط، غير أمة أبناء آوى... ومادامت أمة فلا ينبغي أن تستأصل، لأن هذا ينافي حكمة الله سبحانه في خلقها.
• لماذا اهتمّ الإســــلام بالحيوان:
فيما يلي أبرز الأسباب التي من أجلها دعى الإسلام إلى الاهتمام بالحيوان والطير:
1) يدعو الله تعالى في آيات القرآن الكريم المتعلقة بالحيوانات، الإنسان إلى النظر في بديع خلقه وعظيم صنعه، ويدعوه في ذات الوقت إلى دراسة هذه الكائنات، وأخذ العبر والعظات من سلوكياتها المختلفة، في مثل قوله تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{17}) [سورة الغاشية].
2) العمل على استخدام هذه الحيوانات، وإجراء الدراسات والبحوث التي تهدف إلى استغلال أقصى ما يمكن استغلاله من طاقات هذه الحيوانات، مع العناية بها والحفاظ عليها وعلى أنواعها من الانقراض، وذلك لأن كثيرا من اعتماد الإنسان في غذائه يكون على الحيوانات.
3) لم يأت ذكر الحيوان في القرآن الكريم بأسمائه فقط، بل أورد القرآن الكريم حقائق علمية عنه، وتلك الحقائق عديدة، منها مثلا: لهاث الكلب، تكوين اللبن في الحيوان المجتر، التفكك الأسري في بيت العنكبوت... إلخ.
4) ارتباط الإنسان منذ أن خلق بالحيوانات، يأكل من لحومها، ويشرب ألبانها، ويستعمل جلودها بيوتا له، ويستدفئ بأصوافها وأوبارها وفرائها، فيقول الله تعالى: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} [سورة النحل]، ويقول: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{8}) [سورة النحل]... كما يتخذ الإنسان من منتجات هذه الحيوانات دواء لأمراضه، كما يقول الله تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{69}) [سورة النحل]، حتى أن أول مرة تعلم فيها الإنسان كيف يدفن إنسانا ميتا، كانت عن طريق محاكاته للغراب، كما قال قال الله في ذلك: (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ{31}) [سورة المائدة]... كما تعلم الإنسان من الحيوانات البكور في السعي على الرزق، وتعلم كثيرا من نظم حياة الأسر، وتقنيات الحرب والدفاع، والصبر على العمل، كالنحل والإبل، وبناء المنازل وهندستها، كما تفعل الطيور، ونظام المعيشة وادخار الأقوات، كما يفعل النمل... وتعلم الطيران من الطائر حتى وصل الإنسان إلى اختراع الطائرة يحاكي بها الطائر... كما تعلم الإنسان من الحيوانات المائية والبرمائية كثيرا من الصناعات والاختراعات، كالسفن والغواصات وغيرها...
5) يذكر الله تعالى في العديد من آيات القرآن الكريم بعض الحيوانات، ليضرب بها المثل في موضوع ما، حتى يقرّب المطلوب إلى ذهن الإنسان، ومن بين هذه الآيات قول الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{41}) [سورة العنكبوت]...
لهذه الأسباب، وغيرها، شرّف الله تعالى الحيوانات بإطلاق أسماء بعضها على سور القرآن الكريم، ومنها السور الطويلة مثل سورة البقرة، وسورة الأنعام، وسورة النحل، والسور المتوسطة كسورة النمل، وسورة العنكبوت، ومنها السور القصيرة، كسورة العاديات (أي: الخيل)، وسورة الفيل... إضافة إلى ذكر أكثر من تسع وتسعين نوعا من أنواع الحيوانات والطيور والحشرات التي لا تزال بيننا إلى الآن...
• ما ورد في الأحــاديث النبوية من حقــوق للحيوان:
1) الرحمــة والرفــق بالحيوان:
شملت الرحمة في الإسلام كل مناحي الحياة، وعمّـت جميع المخلوقات، حتى أن الحيوانات التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلها كان الأمر لسبب إيذائها وخطورتها على الإنسان، فحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربع كلهن يقتلن في الحلّ والحَرَم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور) أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ له، وفي لفظ لمسلم، أيضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خمس فواسق يُقتلن في الحلّ والحَرَم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحدأة)، فإن قتلها لما يتحقق به مصلحة الناس، لأن الغالب في طباعها الضرر والأذى، فإذا لم يصدر منها ذلك فلا داعي لقتلها أو إزهاق أرواحها... وهناك أحاديث نبوية بالنهي عن قتل حيوانات أخرى، ومن ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن قتل أربع من الدواب: النمل، والنحلة، والهدهد، والصّرد) أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي...يقول الشيخ حسنين مخلوف (مفتي الديار المصرية الأسبق) – رحمه الله (في كتابه " الرفق بالحيوان في الشريعة الإسلامية"): وردت أحاديث في الرفق بأفراد وبأصناف معينة من الحيوانات، ولكن الحكم عام في سائرها... ثم ذكر أحاديث في الإبل والخيل والغنم والطيور والهرر والكلاب، وقال: هذه الأحاديث تدلّ على أنه لا فرق بين مأكول اللحم منها وبين غير مأكول اللحم، من حيث الرفق بها والتحذير من تعذيبها. وقال: إن على ولاة الأمر تعزير من يقسو على الحيوان، لأنه كما يقول ابن خلدون (في مقدمته)، يدخل في باب وظيفة الحسبة في الدولة الإسلامية.
وقد يقول قائل: إن الإسلام أمر بالرفق بالحيوان من ناحية، ومن ناحية أخرى بقتل خمس منها في الحلّ والحَرَم، وسمّاهن فواسق؟ يقول الشيخ مخلوف (نقلا عن الكاساني، في كتابه "بدائع الصنائع"): إن علة الإباحة في قتلها هى الابتداء بالأذى والعدو على الناس، وهذا المعنى موجود في الحيوانات المفترسة كلها، وكذلك في الهوام (الخطرة) والحشرات (الضارة)، فيقاس عليها لأنها من باب المؤذيات، ولذلك فإن الحديث الشريف سمّى بعضا منها، كالكلب العقور، والغراب، والحدأة، والحيّة (والعقرب)، والفأرة، بالفواسق.
واتسعت دعوة الإسلام للرحمة بالحيوان إلى الأمر حتى شملت الرحمة الحيوان حتى وإن لم تصلنا منه منفعة مباشرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُذبت امرأة في هرّة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هى أطعمتها ولا سقتها، إذ حبستها، ولا هى تركتها تأكل من خُشاش الأرض) أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه... وخشاش الأرض هو ما تعثر عليه الهرة وتجده مناسبا لطعامها، كالحشرات وغيرها... وأخرج البخاري وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خَرَج، فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خُفّـه ثم أمسكه بفيه ثم رقى، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له)، قالوا: يا رسول الله: وإنّ لنا في البهائم أجرا؟ قال: ( في كل كبد رطبة أجر)... ولهذا الحديث روايات عديدة. وبالرغم من أن الكلب هنا قد يكون من الكلاب غير النافعة، إلاّ أن دعوة الإسلام إلى الرحمة شملته، ففي الحديث دعوة إلى رفع المعاناة عن الحيوان، حتى وإن تطلّب الأمر من الإنسان بذل جهد. وبالتالي، فإن ذلك الرجل استحقّ الشكر من الله، وغفران ذنوبه...كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلاّ كان له به صدقة) رواه مسلم...
وإذا كان الله سبحانه قد شبّه الذين ضلوا عن سبيل الحق، بالرغم من وضوحه لهم، وحادوا عنه عنادا من عند أنفسهم، فقال: ... (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{176}) [سورة الأعراف]، فإن هذا ليس ذمّا للكلب، أو تحقيرا له، بل ذمّ وتحقير لمن ضلّ عن سبيل الله، ولم يقم بالدور المنوط به، من الناس الذين عاشوا عيشة الحيوان الضال، ولم يعيشوا أدوارهم هم...
ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي تأمر برحمة الإنسان للحيوان، ما روى عن سهل بن الحنظلة قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لصـــق ظهره ببطنه – من شدّة ضعفه وهزاله – فقـــال: ( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة)، وفي رواية: ( اركبوها صحاحا، وكلوها سمانا). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنّـا لم نُخلق لهذا، بل خُلقنا للحرث...) رواه أبو داود.
ومن رحمة الإسلام بالحيوان، ومنها حيوانات الركوب، نهى رسول الله ص عن المُكث فوق ظهورها طويلا، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: ( إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله تعالى إنما سخّرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس، وجعل لكم الأرض، فعليها فاقضوا حاجاتكم). وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اركبوا هذه الدواب سالمة، وابتدعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي). وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم مرّ على قوم وقوف على ظهور دوابهم ورواحلهم يتنازعون الأحاديث، فقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فربّ مركوب خير من راكبه). وفي مسند أحمد بن حنبل، ومستدرك الحاكم النيسابوري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتخذو ظهور دوابكم كراسي)... وفي هذا نهى عن قضاء أوقات السمر والحديث فوق ظهور الدواب، رحمة بها، وإنما تتخذ هذه الدواب لقضاء الحاجات الضرورية، كالسفر وحمل الأثقال المناسبة، وما شابه هذا أو ذاك...
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتخذو ظهور دوابكم كراسي)
وخرجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركبت بعيرا، فكانت ترجعه بشدة، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( عليكِ بالرفق) رواه مسلم في صحيحه. وفي رواية أن السيدة عائشة رضي الله عنه ركبت بعيرا فيه صعوبة، فجعلت تردده وتزجره، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه).
ومن نافلة القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنّى أحد كبار صحابته، وهو عبدالرحمن بن صخر الدوسي، بأبي هريرة، وذلك لعطفه ورفقه بهرّة كانت تلازمه...
وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الرفق بالحيوان وعدم القسوة عليه، فقد ابتسم عندما حَرَن الحمار الذي كان يركبه إلى حدّ أنه رفس الهواء فأسقط النبي من فوقه ولم يضربه صلى الله عليه وسلم، بل إنه عاد إلى ركوب الحمار الذي يصرّ على عناده ويسقط النبي من فوقه مرّة ثانية، فما كان من النبي إلاّ أن ضحك حتى بدت أضراسه...
2) النهي عن القسوة وتحميل الحيوان ما لا يطيق:
القسوة نقيض الرحمة، وقد تعرّفنا على طرف من الهدي النبوي في الرحمة بالحيوان، فكيف نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القسوة على الحيوان ن أو تجويعه وضعفه وهزاله ؟؟ عن عبدالله بن جعفر رضي الله عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرّ إلىّ حديثا لا أحدّث به أحدا من الناس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم– لحاجته: هدف أو حائش النخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار، فإذا جمَل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي ص فمسح سراته إلى سنامه وذفراه، فسكن، فقال: ( من ربّ هذا الجمل؟)، فجاء فتى من الأنصار، فقـــال: لي يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملّكك الله إياها؟! فإنه شكا إلىّ أنك تجيعه وتدئبه) رواه أبو داود وأحمد. تدئبه: أي تتعبه وترهقه... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تبارك وتعالى رفيق يحبّ الرفق، ويرضى به، ويعين عليه ما لا يعين على العنف، فإذا ركبتم هذه الدواب العُجم – أي التي لا تتكلم - فأنزلوها منازلها – أي أريحوها في المواضع التي اعتدتم الاستراحة فيها أثناء السفر ) رواه مالك...
كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمهّل في المسير بالدواب في حالة الخصب، حتى تأخذ حقها من الطعان والشراب، ولكمه نهى عن ذلك في حالة الجدب، بل أمر الصحابة بالإسراع في المسير إنقاذا لهذه الحيوانات من البقاء في أرض لا يُرجى لها فيها طعــام أو شــــراب، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها، وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا السير...) رواه أبو داود
متأمل
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع متأمل المفضل
البحث عن المشاركات التي كتبها متأمل
03-12-09, 23:12 #2
غفر الله له وأسكنه الفردوس الأعلى
تاريخ التسجيل: 12 2007
المشاركات: 3,081
معدل تقييم المستوى: 20
مـجـمـوع الأوسـمـة: 1
رد: من روائع الإسلام فى الرفق بالحيوان
--------------------------------------------------------------------------------
عـدم وسـم الحيوانات أو تعذيبها أو اتخاذها أغراضا للرمي:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تحريق الحيوان حيّا، فقد ورد أنه رأى قرية نمل قد أحرقها مجموعة من الصحابة، فقال لهم: (من أحرق هذه؟)، فقالوا: نحن، قال: ( إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلاّ الله) أخرجه أبو داود. كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي الحيوانات بصيد، فقد روى جابر بن عبدالله رضي الله عنه حديثا نبويا قال فيه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقتّــل شئ من الدواب صبرا (رواه مسلم في صحيحه). وروى مسلم، أيضا، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله قال: ( لا تتخذوا شيئا فيه روح غرضا)، أي هدفا للضرب والتصويب، أي هدفا للتسلية أو للتدريب على الرماية والصيد. ورأى أنس غلمانا ربطوا دجاجة، وأخذوا يرمونها بنبالهم، فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُصبّر البهائم (أي تُتخذ هدفا) رواه البخاري في صحيحه. وروى مسلم عن سعيد بن جبير قال: مرّ ابن عمر رضي الله عنه بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر رضي الله عنه: من فعل هذا؟ ! لعن الله من فعل هذا !! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا في الروح غرضاً....
وفي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبّر البهائم، قال النووي – رحمه الله – في شرح صحيح مسلم: قال العلماء: صبر البهائم: أن تحبس وهى حيّة لتقتل بالرمي ونحوه، وهو معنى: لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا، أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه، كالغرض من الجلود وغيرها، وهذا النهي للتحريم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر بعد هذه: ( لعن الله من فعل هذا)، ولأنه تعذيب للحيوان وإتلاف لنفسه، وتضييع لماليته وتفويت لذكاته إن كان مذكى، ولمنفعته إن لم يكن مذكى. اهـ.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وسم الحيوانات في وجوهها، بالكي بالنار، أي كيّـها بالنار لتمييزها بين الحيوانات الأخرى، فقد مرّ صلى الله عليه وسلم على حمار قد وُسِم في وجهه، فقال: (لعن الله الذي وسَمه) رواه الطبراني. كما روى ابن حبان في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حمار قد وُسم على وجهه (أي كُوى لكي يُعلّم) فقال: (لعن الله الذي وسَمه). ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوسم حماره في جاعرتيه (أي الوركين حول الدبر)، اتقاء للوجه وتكريما للحمار، وهو حيوان...وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه، فقد مرّ أمام النبي صلى الله عليه وسلم حمار قد وُسم وجهه (أي رُسمت على وجهه علامة بالكيّّ )، فقال: (أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها، أو ضربها في وجهها؟).
4) النهى عن قتل الحــيوان إلاّ لضرورة، والنهى عن التمثيل به:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أي حيوان دون سبب مشروع أو عذر مقبول، فقد روى أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة وله صراخ تحت العرش، يقول: ربّ سل هذا فيم قتلني من غير منفعة). روى النسائي وابن حبان عن عمرو بن الشريد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قتل عصفورا عبثا عجّ إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة يقول: يا ربّ إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة). وفي رواية أخرى عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها – بغير حقّها – إلاّ يسأله الله يوم القيامة)، قيل: يا رسول الله: وما حقّها؟ قال: ( حقّها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فترمي به). وفي رواية أخرى: ( ما من إنسان قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلاّ سأله الله عزّ وجلّ عنها)، قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: ( يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها ويرمي بها) رواه النسائي والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة وله صراخ تحت العرش، يقول: ربّ سل هذا فيم قتلني من غير منفعة) ـ الصور فوق تظهر مصارع ثيران يقوم بقتل ضحيته كنوع من الرياضة
وفي قتل الحيوان بدافع الرحمة، أفتى المجلس الإسلامي للإفتاء بما يلي:
اختلف العلماء في جواز قتل الحيوانات بدافع الرحمة على قولين: الأول: نصّ الشافعية على أنه لا يجوز ذبح ما لا يؤكل، كالحمار الزمن – العجوز – ولو لإراحته عند تضرره من الحياة (حاشية الشرقاوي على التحرير). الثاني: وأجازه المالكية: قال الدردير في شرحه على مختصر خليل: كذكاة ما لا يؤكل لحمه، كحمار أو بغل إن أيس منه، فيجوز تذكيته، بل يُندب لإراحته. وقال الدسوقي في حاشيته: أي أيس في الانتفاع به حـقيقة لمرض أو عمى، أو حُـكما بأن كان في مغارة من الأرض لا علف فيها ولا يُرجى أخذ أحد له...
ويرى المجلس أن تُرسل هذه الحيوانات إلى جمعيات أو مراكز رعاية الحيوان إن وُجدت لتقوم برعايتها والانتفاع بها، فإن تعسّر ذلك فإنه يجوز قتل الحيوان المأكول لحمه عند العجز من القيام بحقه، من إطعامه أو علاجه، أو يصبح الإنفاق عليه ضربا من إضاعة المال، أو انتقال المرض إلى غيره، أو إلى الناس كالطيور التي تصيب بالأنفلونزا، أو صغار الدجاج المرضى أو الضعيفة التي في تربيتها أو الإبقاء عليها ضرر محض. أما الحيوان الذي إذا كسر لا يُجبر، فمثل هذا يُذكى ويُوزع على المحتاجين والفقراء، وينتفع بكل شئ فيه يمكن الانتفاع منه، كحصان كُسرت رجله ولا أمل في شفائه، فلا يُقتل عبثا، بل يُذكى ويوزع لحمه على المحتاجين لأنه مأكول اللحم.
وأما الحيوانات التي لا يؤكل لحمها، فلا حرج في قتلها عند عدم القدرة على المحافظة عليها أو علاجها أو إطعامها وإسقائها، أو رفضها تقبّل العلاج، أو الإنفاق عليها من غير طائل، فلا بأس بقتلها وتوزيعها على الحيوانات التي في حديقة الحيوانات، مثلا... كل هذا بشرط الإحسان في القتل وتجنّب أي لون من ألوان التعذيب والأذى، ولا تلقى في الطرقات فيتأذى الناس برائحتها، ولا تقدم طعاما للحيوانات المفترسة وهى حية، وبذل الجهد في الانتفاع بها ما وُجد إلى ذلك سبيلا، كالانتفاع بجلودها أو عظامها أو غيرها، لأن غير ذلك يُعدّ من تضييع المال الذي نهى عنه الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه البخاري.
وإضافة إلى هذا، فإن قتل الحيوانات بدون دراسة للموقف بعناية قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالإنسان، صحته وماله وممتلكاته، فقد يؤدي سوء التعامل مع بعض الحيوانات إلى الإخلال بالتوازن البيئي، ومثال ذلك أن قتل القطط في بعض المناطق أدى إلى تزايد أعداد الفئران، حتى أصبحت خطرا كبيرا يحدق بالمحاصيل، بالتالي إلى وقوع خسائر اقتصادية كبيرة للإنسان، أو تحمله أعباء مالية في صنع سموم ومبيدات للتخلص من الفئران...
ومما يُذكر في هذا المقام، أن أهل الجاهلية كانوا يأكلون أسنمة الإبل، وهى حيّة، وكذلك إليات ( جمع: إلية ) الغنم، وكان ذلك يسبب ألما شديدا لتلك الحيوانات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميتة) رواه ابن ماجه، أي ينطبق عليه حُكم الميتة، أي لا يجوز أكله، وفيه نهى عن تعذيب الحيوان أو إيلامه... كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيذاء الحيوان بقطع أذنه أو عضو من أعضائه وهو حى، فقال: (من مثّـل بحيوان فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه الطبراني.
ولقد عاب القرآن الكريم على أهل الجاهلية ما كانوا يفعلونه من شقّ آذان الأنعام، وجبّ سنام الجمل، وإلية الشاة، وهى حيّـة، فنزل النهي الإلهي عن هذه الأفعال، فقال الله تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً{117} لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً{118} وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً{119}) [سورة النساء]. ومعنى قوله تعالى: "فليبتكنّ": فليقطعن أو فليشقنّ آذان الأنعام. وبيّـن القرآن الكريم أن هذا من عمل الشيطان...
كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأضحية التي قُطعت أذنها أو جزء منها، أو المشقوقة، أو المثقوبة، أو مقطوعة الذنب... كما ذهب الإسلام إلى ما هو أبعد من ذلك، فنهى عن قطع أي جزء من الحيوان قد يضرّ به في المستقبل، كأن يُطع ذيله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها، فإن أذنابها مذابّها، ومعارفها دفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير) رواه أبو داود.
5) النهى عن التحريش بين البهائم، وعن التفريق بين الأم وفراخها:
التحريش هو الإغراء فيما بين الحيوانات وتحريض بعضها على البعض الآخر... وهو ممارسة ضاربة في التاريخ بين الشعوب المختلفة، ولا يزال عدد من شعوب العالم يمارسه إلى الآن، كالإسبان الذين يمارسون مصارعة الثيران، ويصدّرونها إلى أهالي البلاد التي كانوا يستعمرونها، ومصارعة الخيول، ومصارعة الديكة، ومصارعة الكباش، ومصارعة الكلاب... وهناك في إسبانيا (الأندلس سابقا) تؤسس الحظائر لثيران المصارعة، وتقام المهرجانات والمباريات لمصارعتها، وفي كل مرة لابد أن يثخن ثور أو أكثر بجراحه ويموت. وفي الفيليبين تقام حلبات مصارعة الديكة (التوباداي)، وتجري المصارعة في يوم محدد أسبوعيا، ويجري التحريش فيما بينها لتتصارع ويقتل أحدها الآخر، ويربح من يراهن على ديك بعينه.. !! ولقد نهى الإسلام عن التحريش بين الحيوانات، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا السلوك غير القويم.
كما وردت أحاديث نبوية شريفة في حفظ أعشاش الطيور بدون عبث، ونهت عن التفريق بين الأم وفراخها، ومنها: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل رجل فأخرج بيض حمرة ( وهى صنف من الطيور أحمر اللون)، فجاءت الحمرة ترفّ على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أيكم فجع هذه؟)، فقال: أنا يا رسول الله، أخذت بيضها. وفي رواية الحاكم: أخــذت فرخها، فقال ً: (ردّه، ردّه، رحــمة لها). وفي رواية أبي داود: (.. ردّوا ولدها إليها).
وفي سنن أبي داود من حديث عامر قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل رجل عليه كساء، وفي يده شئ قد لفّ عليه طرف كسائه، فقال: يا رسول الله: إني لما رأيتك أقبلت فمررت بغيضة شجر، فسمعت فيها أصوات فراخ طائر، فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فجاءت أمهن فاستدارت على رأسي، فكشفت لها عنهن، فوقعن عليهن، فلففتها معهن، وهاهن فيه معي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أتعجبون لرحمة أم الفراخ فراخها؟ )، قالوا: نعم يا رسول الله، فقال: (فوالذي بعثني نبيا لله أرحم بعباده من أم هؤلاء الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن)، فرجع بهن وأمهن ترفرف عليهن...
6) الإحســان إلى الحيوان عند ذبحــه:
لدينا في الإسلام مجموعة من الآداب التي يجب أن يتأدّب بها المسلم عند ذبحه بهيمة أو طير، للضرورة، وذلك حتى لا تتألم الذبيحة، أو تشعر بالتعذيب، المادي أو المعنوي. فقد روى مسلم وأبو داود والترمذي عن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).... وإلى رحمة النبي بالحيوان عند ذبحه يشير حديث آخر رواه الطبراني والحاكم (في "المستدرك") عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة ( أي جانب وجهها)، وهو يحدّ شـفـرته، وهى تلحــظ إليه ببصرها، فقال: ( أفلا قبل هذا ؟! أوَتريد أن تميتها موتتين؟!)... وبهذا تأسى الصحابة الكرام، وتهذبت نفوسهم، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى رجلا يسحب شاة برجلها ليذبحها، فقال له: قدها إلى الموت قودا جميلا..
وقد يسأل جاهل: أليس في الأمر بذبح الأضاحي والهدي في الشريعة الإسلامية تعدي على الطبيعة أو سبيل إلى انقراض أنواع معينة من الحيوان؟ والجواب عليه سهل ميسور، فالبشر منذ بدء الخليقة وهم يتغذون بالحيوان والنبات، ومع ذلك فهى تكاثر وتنام وتزايد، ما لم يكن القتل عشوائيا، وبلا هوادة ولا رحمة بالحيوان، فإن حصل ذلك فقد تنقرض أصناف أو سلالات معينة من الحيوان، أو على الأقل تتناقص تناقصا ينذر باختفائها من الطبيعة... ولكن لما كان الأمر من الله عز وجل، واتباعا لسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن هناك حكمة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، ومن أعظم ذلك أن في إزهاق روح بعض الحيوان تقرّبا إلى الله، وفي بعضها دفعا لضررها، وهكذا تتضح الحكمة، وتزول الغشاوة... فلا مبرر، إذن، لما يتشدق به أدعياء الرفق بالحيوان أو أنصار صون الطبيعة، الذين يتهمون المسلمين أنهم بتشريع ذبح الأضاحي والهدي يساهمون في انقراض أصناف من الحيوان، وهذا محض افتراء، فلماذا لم تنقرض هذه الأصناف والأنواع من الحيوان بالرغم من مرور أكثر من 1400 سنة على نزول الشريعة الإسلامية...؟!!
نعود إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرحمة بالحيوان عند ذبحه، فقد روى الطبراني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من رحم ولو ذبيحة عصفور، رحمه الله يوم القيامة). وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رجل: يا رسول الله: إني لأذبح الشاة فأرحمها، فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والشاة إن رحمتها، رحمك الله)...
وقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحمته بالذبيحة إلى أبعد حدّ من الإسراع بالذبح واستعمال سكين حادّة، فقد أمر بعدم رؤية حيوان لحيوان آخر يجري ذبحه، فروى عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدّ الشفار (أي آلة الذبح) وأن نواري عن البهائم... وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا ذبح أحدكم فليجهز) رواه ابن ماجه.
7) حـقوق أخـرى متنوعة:
ومن حقوق الحيوان في لشريعة الإسلامية، أيضا، حقه في الوقاية من المرض وعلاجه، وحمايته من الأمراض المعدية، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يوردنّ ممرض على مصحّ)، والممرض هو الحيوان المريض الذي يعدي جاره من الحيوانات الأخرى بمخالطتها... ومن حقوقه، أيضا، توفير بيئة نظيفة لمعيشته، فقد نهى الإسلام عن تلويث الماء والنبات والهواء والتربة، حتى لا تفسد صحة الحيوان... ومن حقوقه، أيضا، الاستفادة منه بأفضل أسلوب، لقول الله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{3} خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{4} وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{8} وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ{9}[سورة النحل]، وقوله تعــالى: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ{80}[سورة النحل]... ومن حقوقه، أيضا، دراسته علميا، لقول الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{45}[سورة النور]، وقوله تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{69})[سورة النحل]، وذلك للتفكير في خلقه وسلوكه ومنافعه...
وهناك حقوق معنوية للحيوان في الشريعة الإسلامية، فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى ناقة لزوجة أبي ذر الغفاري لكي تنقلها من مكة إلى المدينة، فحلفت لتذبحنّها لله إذا ما أوصلتها آمنة إلى المدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا قلت؟! أهذا حقّ وفائها؟!)، أي أبَعد صُحبتها لك يكون جزاء الناقة هو الذبح؟! كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذبح الشاة الحلوب، لما فيه من إعدام الانتفاع بلبنها بلا ضرورة، مادام غيرها يُغني عنها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إياك والحلوب)، وفي لفظ آخر: (إياك وذات الدر).